مسموح بلا محرم

هناك أمورٌ لا يستوعبها إدراكنا ولا يقبلها الدين! وهناك أحوال تكدّر الخاطر وتصيب القلب بسكين. إنه الممنوع على المضطرة، العفيفـة الحـرّة، عند سفرها أو فقدان مسكنٍ يسترها، ألا يأويها خانٌ ولا حيطانٌ ولا ليموزين!

والسبب أنه ليس معها محرم ابتداء من أبيها حتى زوجها إلى أولادها أو بقية ذكور العائلة المستأسدين! فإن تزوجت، فالزوج يفضلّها خرساء، بلهاء، وأميّة، ويخاف منها إذا تجاوزت في دراستها المرحلة الابتدائية، لذلك يرتبط بمن تصغره علماً وثقافةً وسنين؟! وقد يستغلها اقتصادياً أو يسيء إليها لفظياً أو جسدياً!! وما عليها إلا اللجوء إلى رب العالمين.

وحتى نشارك (متواضعين) بالرأي، في تأييد أو نقد تبِعات قرارات تخصّ المرأة، لذلك سأدخل في الموضوع بلا دفوف تزفني قبل أواني. فقد مكّن ولي الأمر المرأة السعودية من السكن في فندق من فنادق دومة الجندل أو في جازان أو دارين، دون الحاجة إلى محرم. صدر القرار الرصين - الذي لم يأتِ اعتباطاً - بأمر سامٍ يوم 22 ذي الحجة 1428هـ إثر دراسة قامت بها عدة جهات مثل وزارة الداخلية والهيئة العليا للسياحة والرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالإضافة إلى التجارة والصناعة. بشرط إبراز بطاقة الهوية لإدارة الفندق ليتم تزويد الشرطة بصورة منها فور استكمال إجراءات الإسكان.

وكنتيجة لأي قرار لا يرضى عنه البعض، يبدأ التغريد على أسطوانة الذئاب والتغريب واللبرلة (أي ليبرالية) وكل ما يحلو لأحباب المياه العكرة اصطياده، ونفخه في الهواء كالفقّاعات. أنا لا أجزم البتة أن الرجال كلهم ملائكة ؟ ولا النساء دوماً ناقصات! ولكن القرار جاء ليُغيّر الظروف التي تعوق حركة اندماج المرأة السعودية في منظومة التنمية. الإشكالية تكمن في عدم وعي المجتمع العربي والخليجي- بشكل عام- بأن المرأة إنسانة وأنها تشارك الرجل الحياة بكل الإيجابيات و التبعات. الوعي بالإنسانية يعني محافظة المجتمع على قواه البشرية وتأمين الفرص العادلة في حياة كريمة من التعليم، والعمل، والخدمات. ففي عدالة وإتاحة الاختيار تكمن إنسانية الرجل والمرأة على السواء.

وأعتقد أننا متفقون على أنه لا بد وأن تترك للمرأة فرصة ممارسة الاختبارات الخُلُقية في سلوكها اليومي لتنمو شخصيتها أكثر وتقرر أفعالها بما تمليه عليها قيمها ومبادئها. إن معاناة المرأة ليست فقط بسبب العرف المخالف للشريعة الذي سلبها الكثير من آدميتها، بل لأن مجتمعنا يخاف من المرأة وليس عليها، يخاف من نفسه تجـاه المرأة لأنها المخلوق الذي يستحق القهر ! فمن يقول إن المرأة الفاضلة، لا يمكنها استئجار غرفة في فنادق بلادها الآمنة لأنها مرتبطة بمهام عملية، أو صحية أو تجارية أو عمرة أو حج؟! كيف يُحدّ من اختياراتها وقد كرّمها الإسلام وحافظ عليها وصانها وعزّزها. قال صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم: " فإن طالت بك الحياة لترينّ الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله… ". والظعينة اسم يقال للمرأة مطلقاً.

مجتمعنا (يا قوم ) لن يتقدم نحو الأفضل من تلقاء نفسه دون استعداد. والمرأة السعودية ليست أقل كُرهاً لما حرّم الله من الرجل, فلا داعي لممارسات ظالمة تعكس شكوك الرجل المريضة. كل ما نريد هو المزيد من القوانين والأنظمة واجبة النفاذ لحماية المرأة. والمطلوب من السيدات الفاضلات (اللاتي سيكنّ ضيوفاً على الفنادق ) تبديل شكوك الخائفين بالثقة، وتحويل الاحتقار إلى احترام. عليهن تبديل الرعب المهيمن على الرجل بطمأنينة دائمة.

متفائلة بضوء الشمس وبقدرة المرأة السعودية على تحقيق الأفضل بأكثر ما لديها من كفاءة وأقل ما لديها من عجز. أخيراً "مسموح بلا مَحرم"، غَيّري اللوائح أيتها الفنادق، فالمسؤولية على المرأة الواعية وكان الله في عون المبادرين . قال صلى الله عليه وسلم: " اللهمّ إنّي أُحِّرج حقَّ الضَّعيفَين: اليتيم والمرأة". أي أنه يلحق الحرج والإثم بمن ضيَّع حقَّهُما. عاشت بلادي ودام أهلها سالمين


الجودي

شكراا